|     |  
2.15.2010 H.I.H. Michel The First of Nowheristan Interview in AL Sharq Awssat


بيروت : سوسن الأبطح
الشرق الأوسط

«لا حدود تفصل بين الشعوب على الكوكب الأرضي، العملة التي تتداولها البشرية موحدة، والموارد الطبيعية أينما كانت هي ملك للناس أجمعين، والنظام الاقتصادي واحد. لا دول ولا حكومات أو منظمة لأمم متحدة. فهذا نظام بائد أثبت فساده. البشرية أمة واحدة، يحكمها مجلسا شيوخ يضم كل منهما 600 شيخ، بلغ كل منهم على الأقل عقده السادس. أي أن العالم يحكم من قبل 1200 عبقري، هم النخبة في اختصاصاتهم المتنوعة. هؤلاء ستؤول إليهم مسؤولية قيادة البشرية، حيث لن يكون هناك تصويت وصناديق اقتراع، بل إصغاء للحكماء والعقلاء. الناس يعتنقون المعتقدات التي يريدونها، ويتحدثون اللغات التي تؤمن التواصل بينهم، على أن تعتمد إنجليزية مبسطة لتأمين تواصل المختلفة لغاتهم».

هذا ليس سيناريو لفيلم أميركي جديد، كما يمكن أن يتصور القارئ، بل هو صورة العالم في السنين القليلة المقبلة، كما يريدها ويدعو لها المنتج والفنان اللبناني ميشال إلفترياديس، ويجمع حولها المناصرين. وهو لهذه الغاية لا يوفر جهدا، وفي غضون شهر ونصف ستملأ شوارع لبنان إعلانات ضخمة تدعو الناس للالتحاق بـ«إمبراطورية نويرستان» Nowheristan وتعني بالعربية «بلاد اللا مكان». وبعد لبنان ستكون إعلانات أخرى في دول المنطقة، ومن ثم في العالم أجمع، وحيث يكون ذلك ممكنا.

إلفترياديس، يؤكد أنه «جاد للغاية» في مشروعه لإقامة «إمبراطورية نويرستان»، وأن الخطوط العريضة للإمبراطورية وقانونها، كما لغتها ونظامها الاقتصادي كلها جاهزة. أما التفاصيل فمتروكة لمجلسي الشيوخ بعد تشكلهما. ويبدو أن هذه الإمبراطورية التي أطلق الفنان فكرتها عام 2005 بحضور الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ووزير الثقافة اللبناني، تكتسب المزيد من التأييد بعدما بلغ عدد المنتسبين إليها 63 ألف شخص.

«مئات آلاف الطلبات قدّمت عبر الموقع المخصّص لإمبراطورية نويرستان»، يقول إلفترياديس، «لم تكن كلها جدية. لذلك لا بد من التحقق قبل قبول العضوية». أما عن مصير هذه الطلبات، فيؤكد «إن يوما سيأتي وسنقول للمنتمين إلى الإمبراطورية، حان وقت العصيان المدني لنويرستان، وهذا لن يستغرق أكثر من 15 سنة، وسيتحرك كل في بلده لنعمل سوية من أجل تحقيق حلمنا».

وحين نبدي استغرابنا من هذا التفاؤل، يجيب إلفترياديس: «كل تطوّر بشري بدأ (يوتوبيا)، قبل أن يصبح حقيقة. فزوجة كارل ماركس كانت تسخر منه وهي تراه يكتب أشياء لا يريد أن يقرأها أحد، بينما أولاده في عوَز، لكن في النهاية سادت نظرياته قسما مهما من العالم مدة 75 سنة، على الرغم من أنه طلب من الناس أمورا عصية في ذلك الوقت، وهي التخلي عن الدين والملكيات الشخصية، وهذا ما لا أطلبه من أحد. ولكن فتح الحدود والعملة الموحدة تحققتا في أميركا وأوروبا، ولا شيء يمنع تعميم النموذج على العالم».

في المقابل، لا يجد الفنان المؤسّس أن الديمقراطية تصلح لإمبراطوريته «فمن غير المقبول أن يفوز مخبولان في التصويت مقابل عبقري بحجم أينشتاين، هذا هو مبدأ الديمقراطية الغريب. المكانان الوحيدان اللذان يتم فيهما التصويت في نويرستان هما مجلسا الشيوخ. والمجلسان يصوتان لاختيار عضو جديد حين يرحل عضو سابق أو يصاب بالخرف». أما عن الموقعين الجغرافيين للمجلسين فيتم اختيارهما كل أربع سنوات في نقطتين من أقاصي الأرض، ثم يترك المقران القديمان، كمركزين سياحيين لأهل المنطقة، يعودان على الناس بالفائدة المادية، في حين ينتقل الشيوخ إلى موقعين جغرافيين جديدين.

ويعتقد الفنان أن «عالمنا اليوم ظالم، والإنسان يعيش حياته كورقة اللوتو (اليانصيب)، فإن ولد عبقري في كينشاسا فيبقى في وضع مزر بسبب ظروفه، أما لو وُلد وَلد قليل الذكاء في سويسرا فيبقى المجتمع يعنى به طوال حياته حتى ينتشله». ويأتي مشروع «نويرستان» الذي يطلقه إلفترياديس بعد نشاط سياسي طويل. ونسأله عن طريقة الانتساب إلى إمبراطورية نويرستان، وهل من اتفاقية أو توقيع لأوراق مع المنتسبين؟، فيجيب بأن «ذلك غير ممكن، لأن أي منتسب يرفض العصيان المدني يوم يطلب منه ذلك، لا أستطيع أن أفعل ضده أي شيء. في نويرستان، الحرية محفوظة، وكل يمارس الشعائر والعقائد التي يريد، إلاّ أصحاب الممارسات العنيفة والمؤذية للآخرين». حاليا، يروج إلفترياديس لفكرته عبر الموقع الإلكتروني الخاص بـ«نويرستان»، كما أنه يتنقل بين البلدان لإلقاء المحاضرات، وقد كتبت عن مشروعه بعض كبريات الصحف والمجلات في العالم مثل «لوس أنجليس تايمز» و«دير شبيغل» و«إل باييس». والفكرة بحد ذاتها تبدو مغرية، لكن إمكانية التنفيذ تبقى موضع شك.

هذا أمر لا يريد أن يعترف به إلفترياديس، ويروي أن مناصريه في تركيا، احتشدوا للقائه هناك، حين ذهب منذ نحو السنة، بعدما نظموا لقاء لـ«النويرستانيين»، واستقبله على المطار ما يقارب ثلاثة آلاف شخص يحملون اللافتات المشجّعة له. كما أنه يصدر البيانات، ويتواصل مع المناصرين، ويقيم خلايا دراسات، يضطلع بها أكاديميون، لدعم الإمبراطورية المأمولة. ومن هذه الدراسات ما أقيم حول اللغة التي يمكن اعتمادها في نويرستان. وقد اهتم بها متخصصان، أحدهما سويسري والآخر فرنسي، واستبعدت لغة «الإسبرانتو» لعدم جدواها العملية، وتم العمل على إنجليزية تحوي 200 مفردة، تسهل على النويرستانيين التواصل فيما بينهم. بخاصة أن الهدف هو الحفاظ على اللغات المحلية وليس القضاء عليها، وثمة لجان متابعة تشتغل على مسألة اللغة.

ويروي إلفترياديس أنه قدم طلبا لانضمام «نويرستان» إلى الأمم المتحدة، ولا شيء يمنع، لأنها هيئة للأمم، لا للدول، وقد تمثل فيها الهنود الحمر لفترة، والفلسطينيون يتمثلون حاليا بدون دولة. وحسب كلامه أعطي الملف رقم حفظ ليدرس، «لكنني أوقفت الملف، لأن مشروعنا لا يتماشى ومبادئ الأمم المتحدة». وهو يراهن اليوم على أنه لن ينظر إلى مشروعه بجدية، وسيظن كثيرون أنه يهذي، وهذا سيسمح له بالتمدد وإقناع المزيد من الناس، دون أن توضع العصي في دواليبه.

الجدير بالذكر، أن إلفترياديس شخصية معروفة في لبنان، وهو منتج فني، لحن أكثر من 100 أغنية، وتميز أسلوبه بالخلط بين الموسيقات، وعرفت ألحانه رواجا كبيرا كما الاستعراضات التي نظمها. كما أنه أخرج عشرات الكليبات الموسيقية، وله أفلام وثائقية.